سورة آل عمران - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قد تقدم ذكر اختلاف القراء في كسر الألف من {إن الذين} وفتحها، و{الدين} في هذه الآية الطاعة والملة، والمعنى، أن الدين المقبول أو النافع أو المقرر، و{الإسلام} في هذه الآية هو الإيمان والطاعة، قاله أبو العالية وعليه جمهور المتكلمين، وعبر عنه قتادة ومحمد بن جعفر بن الزبير بالإيمان.
قال أبو محمد رحمه الله: ومرادهما، أنه من الأعمال، و{الإسلام} هو الذي سأل عنه جبريل النبي عليه السلام حين جاء يعلم الناس دينهم الحديث وجواب النبي له في الإيمان الإسلام يفسر ذلك، وكذلك تفسيره قوله عليه السلام: بني الإسلام على خمس، الحديث، وكل مؤمن بنبيه ملتزم لطاعات شرعه فهو داخل تحت هذه الصفة، وفي قراءة ابن مسعود {إن الدين عند الله للإسلام} باللام ثم أخبر تعالى عن اختلاف أهل الكتاب، أنه كان على علم منهم بالحقائق، وأنه كان بغياً وطلباً للدنيا، قاله ابن عمر وغيره.
و {والذين أوتوا الكتاب} لفظ يعم اليهود والنصارى، لكن الربيع بن أنس قال، المراد بهذه الآية اليهود، وذلك أن موسى عليه السلام، لما حضرته الوفاة، دعا سبعين حبراً من أحبار بني إسرائيل فاستودعهم التوراة، عند كل حبر جزء، واستخلف يوشع بن نون فلما مضت ثلاثة قرون، وقعت الفرقة بينهم، وقال محمد بن جعفر بن الزبير: المراد بهذه الآية النصارى، وهي توبيخ لنصارى نجران، و{بغياً} نصب على المفعول من أجله أو على الحال من {الذين} ثم توعد عز وجل الكفار، وسرعة الحساب يحتمل أن يراد بها سرعة مجيء القيامة والحساب إذ هي متيقنة الوقوع، فكل آت قريب ويحتمل أن يراد بسرعة الحساب أن الله تعالى بإحاطته بكل شيء علماً لا يحتاج إلى عد ولا فكرة، قاله مجاهد.


{حاجوك} فاعلوك من الحجة والضمير في {حاجوك} لليهود ولنصارى نجران والمعنى: إن جادلوك وتعنتوا بالأقاويل المزورة، والمغالطات فاسند إلى ما كلفت من الإيمان والتبليغ وعلى الله نصرك، وقوله {وجهي} يحتمل أن يراد به المقصد كما تقول خرج فلان في وجه كذا فيكون معنى الآية: جعلت مقصدي لله، ويحتمل أن يكون معنى الآية، أسلمت شخصي وذاتي وكليتي وجعلت ذلك لله، وعبر بالوجه إذ الوجه أشرف أعضاء الشخص وأجمعها للحواس، وقد قال حذاق المتكلمين في قوله تعالى: {ويبقى وجه ربك} [الرحمن: 27] أنها عبارة عن الذات، و{أسلمت} في هذا الموضع بمعنى دفعت وأمضيت وليست بمعنى دخلت في السلم لأن تلك لا تتعدى، وقوله تعالى {ومن اتبعن} في موضع رفع عطف على الضمير في {أسلمت} ويجوز أن يكون مبتدأ أي {ومن اتبعن} أسلم وجهه، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون في موضع خفض عطفاً على اسم الله تعالى كأنه يقول: جعلت مقصدي لله بالإيمان به والطاعة له، ولمن اتبعن بالحفظ له والتحفي بتعليمه وصحبته لك في {اتبعن} حذف الياء وإثباتها وحذفها أحسن اتباعاً لخط المصحف، وهذه النون إنما هي لتسليم فتحة لام الفعل فهي مع الكسرة تغني عن الياء لا سيما إذا كانت رأس آية، فإنها تشبه قوافي الشعر كما قال الأعشى: [المتقارب]
وَهَلْ يَمْنَعَنّ ارتياد البِلا *** دِ منْ حَذَرِ الْمَوت أنْ يَأْتِيَنْ
فمن ذلك قوله تعالى: {ربي أكرمن} [الفجر: 15] فإذا لم تكن نون فإثبات الياء أحسن، لكنهم قد قالوا: هذا غلام قد جاء فاكتفوا بالكسرة دلاله على الياء، و{الذين أوتوا الكتاب} في هذا الموضع يجمع اليهود والنصارى باتفاق، والأميون هم الذين لا يكتبون وهم العرب في هذه الآية، وهذه النسبة هي إلى الأم أو إلى الأمة أي كما هي الأم، أو على حال خروج الإنسان عن الأم أو على حال الأمة الساذجة قبل التعلم والتحذق، وقوله: {أأسلمتم} تقرير في ضمنه الأمر كذا قال الطبري وغيره، وذلك بين، وقال الزجاج {أأسلمتم} تهديد، وهذا حسن، لأن المعنى أأسلمتم أم لا؟ وقوله تعالى: {فقد اهتدوا} وجاءت العبارة بالماضي مبالغة في الإخبار بوقوع الهدى لهم وتحصله.
وقوله تعالى: {فإنما عليك البلاغ} ذكر بعض الناس أنها آية موادعة وأنها مما نسخته آية السيف.
قال أبو محمد: وهذا يحتاج أن يقترن به معرفة تاريخ نزولها، وأما على ظاهر نزول هذه الآية في وقت وفد نجران فإنما المعنى {فإنما عليك البلاغ} بما فيه قتال وغيره، و{البلاغ} مصدر بلغ بتخفيف عين الفعل، وفي قوله تعالى: {والله بصير بالعباد} وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين.


قال محمد بن جعفر بن الزبير وغيره: إن هذه الآية في اليهود والنصارى.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وتعم كل من كان بهذه لحال، والآية توبيخ للمعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمساوئ أسلافهم وببقائهم أنفسهم على فعل ما أمكنهم من تلك المساوئ لأنهم كانوا حرصى على قتل محمد عليه السلام، وروي أن بني إسرائيل قتلوا في يوم واحد سبعين نبياً وقامت سوق البقل بعد ذلك، وروى أبو عبيدة بن الجراح عن النبي عليه السلام: أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبياً فاجتمع من خيارهم وأحبارهم مائة وعشرون ليغيروا وينكروا فقتلوا أجمعين كل ذلك في يوم واحد وذلك معنى قوله تعالى: {ويقتلون الذين يأمرون بالقسط} وقوله تعالى: {بغير حق} مبالغة في التحرير للذنب إذ في الإمكان أن يقتضي ذلك أمر الله تعالى بوجه ما من تكرمة نبي أوغير ذلك، وعلى هذا المعنى تجيء أفعل من كذا إذا كان فيها شياع مثل أحب وخير وأفضل ونحوه مقولة من شيئين ظاهرهما الاشتراك بينهما.
وقرأ جمهور الناس: {ويقتلون الذين} وقرأ حمزة وجماعة من غير السبعة ويقاتلون الذين وفي مصحف ابن مسعود {وقاتلوا الذين}، وقرأها الأعمش، وكلها متوجهة وأبينها قراءة الجمهور، والقسط العدل، وجاءت البشارة بالعذاب من حيث نص عليه وإذا جاءت البشارة مطلقة فمجملها فيما يستحسن، ودخلت الفاء في قوله: {فبشرهم} لما في الذي من معنى الشرط في هذا الموضع فذلك بمنزلة قولك: الذي يفعل كذا فله إذا أردت أن ذلك إنما يكون له بسبب فعله الشيء الآخر فيكون الفعل في صلتها وتكون بحيث لم يدخل عليها عامل يغير معناها كليت ولعل، وهذا المعنى نص في كتاب سيبويه في باب ترجمة هذا باب الحروف التي تتنزل منزلة الأمر والنهي لأن فيها معنى الأمر والنهي، و{حبطت} معناه بطلت وسقط حكمها، وحبطها في الدنيا بقاء الذم واللعنة عليهم، وحبطها في الآخرة كونها هباء منبثاً وتعذيبهم عليها، وقرأ ابن عباس وأبو السمال العدوي: {حبَطت} فتح الباء وهي لغة، ثم نفى النصر عنهم في كلا الحالين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8